يلاحظ أن بين المعتزلة والخوارج تقارباً في العقيدة، ومن المسائل التي تقاربت فيها الفرقتان مسألة الإيمان والكفر، فـالمعتزلة والخوارج يتفقون في الحكم ويختلفون في الاسم؛ فهم متفقون على أن مرتكب الكبيرة الذي يموت غير تائب خالد مخلد في النار، لكنهم يختلفون في الاسم، فأما الخوارج -ونعني بهم النجدات والأزارقة، وكذلك الإباضية فيسمون من ارتكب معصية أو خالف عقيدة الخوارج أو من والى السلطان كافراً في الدنيا، وفي الآخرة يخلد في النار.
أما المعتزلة فقالوا: يخرج من الإيمان، ولكنه لا يدخل في الكفر وقالوا: هو في منزلة بين المنزلتين؛ فلا نقول: مؤمن ولا نقول: كافر.
فهم لم يستطيعوا أن يلحقوه بالكفار لأنه من الواضح جداً لكل مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعامل مرتكب الكبيرة معاملة اليهود أو النصارى، وقد رجم الزاني والزانية وشهد لكل منهما بالإيمان ولم يعاملهما معاملة المرتدين، وكذلك السارق وشارب الخمر، وأقروا -أي المعتزلة - أن الخوارج عندهم غلو، قيل: فلماذا لا تقولون: إنه مؤمن؟ قالوا: كيف يكون مؤمناً وقد عصى الله تعالى؟! فهم يخالفون منهج أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان.
وهذا ينقلنا إلى الحديث عن المنطلق الذي تنطلق منه جميع الفرق وأصل الضلالة الذي ضلت به جميع الفرق في هذا الباب، وهو زيادة الإيمان ونقصانه.
فهذا هو وجه الشبه بين المعتزلة والخوارج -في أول الأمر- ولذلك قال أحد الشعراء:
برئت من الخوارج لست منهم            من الغزال منهم وابن باب
ومن قوم إذا ذكروا علياً            يطيلون التأمل في السحاب
وهذا على اعتبار أن كل من خرج عن السنة خوارج، أو بسبب التشابه الشديد بين المعتزلة والخوارج في مسألة مرتكب الكبيرة.
هذا وقد قامت للخوارج دول في بلاد فارس، كما وجدت لهم دول في بلاد المغرب وبلاد الجزائر وما حولها من قبائل البربر، ثم استمرت لهم دول، ولهم وجود إلى عصرنا الحاضر.
والخوارج المعاصرون متأثرون جداً بعقيدة المعتزلة، ولذلك نحاول أن نربط الأمور بجذورها حتى تعلق في الذهن، فنقول: القضية الكبرى عند المعتزلة والتي حصلت بسببها الفتنة والمحنة، هي فتنة القول بخلق القرآن التي بسببها عذب الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه من قبل المعتزلة، والخوارج المعاصرون أيضاً يعتقدون في القرآن أنه مخلوق.
إذاً: فأهم عقيدة يعتقدها الخوارج المعاصرون هي:
أولاً: تكفير مرتكب الكبيرة، وبالذات الموالي للسلاطين في نظرهم.
ثانياً: نفي الرؤية فيقولون: إن الله تعالى لا يُرى في الآخرة، ومن قال: إن الله تعالى يُرى في الآخرة، فهو عند الخوارج كافر، وعليه فالمتشدد منهم -على أصل تلك العقيدة- يرى أن أهل السنة والجماعة الموجودين اليوم -والذين تبلغ أعدادهم الملايين- كفار، ولا يصلى خلفهم، ولا يؤكل من ذبائحهم؛ لأنهم يقولون: إن الله يُرى في الآخرة، فهذه هي المشكلة، وليس كما يظن البعض أنها مجرد خلافات فرعية غير جوهرية، هذا ما يظنونه ويعتقدونه فينا، ويصرحون به في كتبهم، وهذه المشكلة صارت عندهم ضخمة جداً، إذ إن الإنسان منهم ليس عنده وسط، إما أن يتمسك بعقيدته، فيرى أن أهل السنة والجماعة كفار؛ لأنهم يثبتون رؤية الله. وإما أن يصلي خلف أهل السنة أو يأكل ذبائحهم أو يخالطهم، فيرى نفسه مقصراً غير مستمسك بعقيدته -نسأل الله العفو والعافية- وبعض الناس يرى أن هؤلاء من أقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة، ومن أقل الفرق غلواً، نعم هم كذلك بالنسبة إلى الخوارج الغلاة، أو بالنسبة إلى القاديانية، أو الروافض، لكن أين هذا القرب بالنسبة إلى الحق الصريح المحض؟ لا! هم بعيدون عن الحق ما دامت هذه نظرتهم، وهم الآن يعتقدون عقيدة المعتزلة في نفي الرؤية، وفي اعتقاد أن القرآن مخلوق وجعلوا من ذلك ذريعة إلى تكفير أهل السنة.
  1. تقارب أهل البدع في عقائدهم